السبت، سبتمبر 15

شدا الوادي

*في الذكرى الخامسة والسبعين لشوقي وحافظ إبراهيم*

🔺*شعر/ أيمن اللبدي*

شَدا الوادي فنازَعَني الصَّوابا 
وَبادَلَني الشُّكُوكَ بهِ ارْتِيابا

وَبالَغَ خاطِري في الظَنِّ حتى 
خَبِرْتُ على مجَاريهِ الحِرابا

أُصيْخُ السَّمعَ مَفْتوناً بِشَدْوٍ
تعَمَّمَ بالنَّدى وَسَقى السَّحابا

يُدافِعُ في الصَّدى نَغَماً طَروباً 
وَيُرْجِعُ كُلََّ وَقْفٍ ما اسْتَجابا

وَيَنْفِثُ سِحْرَهُ الأَمْضى عَليلاً 
إذا وَلجَ الفؤادَ جَلا شَبابا

كَأَنَّ طِلاهُ مِنْ ماروتَ سَهْمٌ 
وَأنَّ لهُ بِكَنْزِ (تَهُتْ) نِصابا

تَرفَّقَ مِنْ تَداني الحَدْسِ قَوْساً 
وَأَوْحَشَ بالفِرارِ غداةَ قابا  
 

فقلتُ وَقدْ أَجادَ الشَّوْقُ نزْفي 
رعاكَ الله لوْ تَهَبِ الرِّكابا

وتُعْفي ضَعْفَ حيلَتِنا فَتَجْلو 
وَتُطْلِقُ مِنْ بَراثنِكَ الجَوابا

همُا القَمرانِ أمْ وَسْواسُ صَدْرٍ 
تَنكَّبَ في مَفارسِه انْتِصابا

تلكَّأ مُخْبري ظُلْماً وعَدْلاً
  لعلَّ بيَ الهوى أَرْسى شِعابا

فَمِثْلُ الحَيْرَةِ المحتارُ غَلْقاً 
تَزيدُ بها المواعيدُ اغْتِرابا

يُضَمِّدُ في المُلَوَّعِ كُلُّ ذِكْرٍ 
وَيَنْكَأُ فيهِ ما اسْتَشفى مَثابا

وَليْ وَلَهٌ تَجَلَّى في حُضورٍ 
وَليْ في الحبِّ ما طوَّى الغِيابا

وَلكنّي بَليتُ بِثَوْبِ زُهْدٍ 
وَدونَ القَلْبِ قدْ أغْلَقْتُ بابا

عَلى الأوْطانِ قدْ أَوْقَفْتُ عُمْراً 
وما ليْ في الصَّبابةِ ما أَصابا

لَعَمْرُكَ ما اعْتراني مِنْ حَبيبٍ 
ولا اشتَقْتُ العيونَ ولا الرُّضابا

ولكنّي تَبَيَّـنتُ القَوافي
فَقُلْتُ هُما وحَقِّ اللهِ آبا

وَأَحْمِلُ في المواجعِ حَظَّ تَعْسٍ 
وأُنْكِرُ أنْ أَجيدَ بها حِسابا

وَما غَرْسُ المَنايا في بَوارٍ
  فَكيْفَ يَعودُ مَنْ أَسْقَتْهُ نابا

فقالَ مَضَواْ وَلمْ تمضِ البَواقي
  لَهُنَّ دوامُ ما حَصَدوا ثَوابا

سَمِعْتَ نداءَ تَكْريمٍ فَرَنَّتْ 
لِذكْرِ الفَنِّ ما شادوا عِتابا

بَني الوادي عَلى الذِِّكرى قِياماً 
لَعلَّ النِّيلَ أمْسَكَ حينَ غابا

وَبَعْضُ الحُزْنِ في الشَّكْوى صيامٌ 
وَبعْضُ البَوْحِ  يَعتَقِلُ العَذابا

وَبَيْنَ الصَّمْتِ والبوْحِ  سِتارٌ 
تُزَيِّنُهُ الكَراماتُ نِقابا

وَمِثْلُكِ مصْرُ في السُّنَنِ  وفاءً 
تَقَدَّمَ مِثْلَهُ وَسبى الرِّقابا

فَكَيْفَ بَفَلْذَةِ الأكْبادِ طُرَّاً 
وقدْ أَوْفَتْ بما أَدَّتْ كِتابا

أميرُ الشِّعْرِ والشُّعَراءِ شَوْقي 
وَحافظُ ظلَّ سَيْفَهُما المجابا

رَأَيْتُ النّاسَ قدْ جُمِعَتْ فُنوناً 
وَاُفْرِدَ صاحِبايَ بِهمْ طِلابا

وَهذا الشِّعرُ ما أَلقَى خُطاماً 
لغيْرِهِما فإنْ أَمَراهُ ذابا

َإِنْ يَكُ فيكِ يا مِصْرُ خُلودٌ 
فهذا نِصْفُهُ عافَ الحِجابا

وَلوْ كانَ التُّراثُ كَليمَ لُسْنٍ 
لَأَنْصَفَ واكْتفى مِنْهُ انْتِسابا

عَجِبْتُ لراحِلٍ في الأرْضِ دَهْراً
  يُفَتِّشُ عَنْ أَبٍ ضَلَّ اغْتِرابا

وَفَوْقَ جَبينِهِ وَشِمٌ تَجَلَّى 
يُذَكِّرُهُ بِما وَسِعَتْ رِحابا

أَيُنْكَرُ في الأُبُوَّةِ مِنْ كِرامٍ 
عُقوقاً لَمْ يَجُزْ يَوماً إيهابا

فَما صَمْتُ الجَمالِ  خلا حياءً 
أَيَنْطِقُ والقَبيحُ علا اغتصابا

أَرى قَوْماً تُواكِبُهُم غَيوثٌ 
أَجَنُّوا خُلَّباً ذُخْراً عِقابا

وواعَدَ واحِدٌ فيْهم ثِقاباً 
عَساهُ يَرى وَقدْ أزرى شِهابا

أَيَمْدَحُ في النِّساءِ شَموطَ وَجْهٍ 
وَيُهْمَلُ مُقْمِراً نَهَضَتْ كِعابا

فأشْفقَ مَنْ بهِ عَطَشُ الحَيارى 
رَوَواْ لوْ أثْبَتوهُ لَهمْ شَرابا

أَميرَ الشِّعرِ قَدْ أَخْلَفْتَ كَنْزاً 
وكُلٌّ وارثٌ فيهِ جِرابا

فإنْ كانَ الوفاءُ تلا ثناءً 
يُعَمِّدُهُ تَلَوْتُ لَكمْ خِطابا

شَكَرْتُ جَميلَ مَذْهَبِنا مُعيداً
  شَجِيَّ اللَّحْنِ يَفْتَقِدُ الصّحابا

أَحافظُ شاعِرَ النِّيلَيْنِ كُرْمى
  لِبُلْبُلَ لَوْ شَدا صَمْتاً أَصابا

رَأَيْتُ رَوِيَّهُ نِسْراً تَعَلّى 
وَناوشَ مِنْ قَطيعِ الحرْفِ غابا

تَرَفَّقَ بِالضِّعافِ وَسَنَّ ناباً 
بِدُنْشايَ التي صادَ انْتِدابا

سَفيرُ الشَّعْبِ فارِسُ في المنايا 
يَرُدُّ بِحَرْفهِ عَنْهُ الذِّئابا

فَما أَدْري لأيِّكُما أُغَنّي  
وَكُلُّ يَراعَةٍ تَلِدُ العِذابا

كَأَنَّ السَّلْسَبيلَ بِكَفِّ يُمْنٍ 
وَيُسْراها تُعادِلُها حُبابا

مَدَحْتُ وَما مَدْيحي في نَوالٍ
  وَلا كانَ الهوى إلا احْتِسابا

لَعَمْرُكَ إنَّما الأيامُ دُوْلٌ 
فَلا تَيْأسْ وَلا تمضِ اكْتئابا

إذا الأخْلاقُ قَدْ شُفِيَتْ بَقيْنا 
عَلى أَمَلٍ وإنْ طالَتْ عِقابا

وإلا لَيْسَ عاقِبَةُ الدَّواهي 
بأَصْبَرَ مَنْ زُؤامَ غَزَتْ مُصابا

سَيََخْرُجُ مِنْ فَمِ الدُّنيا أسودٌ 
تُعيـْدُ إلى عُروبَتِنا نَهابا

وتَرْفَعُ في يَدِ المَجْدِ لِواءً 
لِيَخْفِقَ عالِيَاً حُرَّاً مَهابا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق