'إذا مُت، وعثر على جثتي، لا تدفنوني دفنا إسلاميا وأطلب ألا يكون هناك أي مسلم، مهما كانت طائفته، حاضرا في جنازتي'، هكذا أمر المثقف السوري نبيل فياض في وصيته. فياض لا يزال على قيد الحياة، ولكن محاولة الاختطاف التي اختبرها مؤخرا أوضح له بان أيامه معدودة وان من الافضل له أن يبكر في التخطيط لجنازته.
نبيل فياض، في الاربعينيات من عمره، هو صيدلي في مهنته، وباحث أديان كتب كتبا عديدة عن الاسلام، المسيحية واليهودية. وضمن أمور اخرى تعلم العبرية والآرامية. وهو معارض حاد للحركات الراديكالية الاسلامية. وفي تلك الوصية يتهم بشكل مباشر أبناء عائلته في محاولة الاختطاف التي وقعت قبل بضعة ايام، حين كان في طريقه لشراء منتجات غذائية لبيته. وهو يصف كيف أن مجموعة من الشباب في الثلاثينيات من أعمارهم كمنت له، وعندما يفهم انهم يعتزمون اختطافه، فر باتجاه حاجز الجيش السوري ومن هناك واصل محميا الى بيته.
وشخص فياض بين الخاطفين بعضا من أبناء عائلته ممن يذكر اسماءهم دون خوف. وعلى حد قوله، حاول أبناء عائلته اختطافه بل وربما قتله، لانه عارض تصفية العلويين على أيدي السُنة، بعضهم من عائلته، ولانه ينتقد بشدة وعلانية الحركات الاسلامية.
ما يبدو أنه أغضب على نحو خاص أقرباءه ومعارضيه كانت أقواله اللاذعة في برنامج الاتجاه المعاكس في 'الجزيرة' في بداية شهر آب، حيث حذر، ضمن أمور اخرى، من أن اسقاط نظام الاسد معناه سقوط سوريا في أيدي المنظمات الراديكالية وسيطرة التيارات المتطرفة على الدولة. ويشارك فياض بشكل منتظم في البرامج التلفزيونية السورية للنظام ويعرب عن آراء مشابهة، وهذا فانه يعتبر أيضا مؤيدا للنظام، وإن كان يؤيد الاصلاحات الديمقراطية. ورغم التهديدات على حياته فانه يشرح بانه غير مستعد لان يترك الدولة ويهاجر الى ألمانيا، قطر أو بريطانيا. وهو يسافر في المواصلات العامة الى عمله ويواصل إدارة نمط حياة عادي.
فياض لا يقف على رأس حركة سياسية سورية وهو لا يتبوأ منصبا حكوميا، ولكن أقواله تعكس جيدا الخلافات الداخلية العميقة بين التيارات المختلفة في المعارضة السورية. وكذا أيضا بين المعارضة وبين أجزاء من الجمهور السوري، الذين وإن كانوا يتطلعون الى اسقاط نظام الاسد إلا أنهم يخشون من البديل الذي قد يدير الدولة في المستقبل.
مثال على ذلك هو رد الفعل الذي نشر في أحد المواقع الاسلامية على برنامج في 'الجزيرة' شارك فيه فياض. الكاتب، مهند خليل، احد الكتاب الاسلاميين المتطرفين، يهاجم مقدم البرنامج، فيصل القاسم، الذي هو بنفسه سوري فر من بلاده، لمنح فياض منصة للتعبير. 'فياض يدعي بانه معادٍ للولايات المتحدة واسرائيل، ولكنه في نفس الوقت يعرض نفسه كليبرالي يدافع عن اليهود. فياض هو مخادع تبرأت منه عائلته'.
كما أن لخليل يوجد زعم شديد ضد مقدم البرنامج على سماحه 'بشكل مخطط له مسبقا' لمعقب يدعى نضال نعايسه باسماع رأيه. 'نعايسه أزعر، رجل نظام يدعي بانه يعارض النظام. ولكن الفرق بين نعايسه وفياض هو أن نعايسه هو ابن الطائفة المسيحية، يدافع عن طائفته الكافرة وعن الطغيان في الدولة، بينما فياض هو كلب ينبح من أجل النظام ليس إلا'. النصارى هو الاسم القديم للمؤمنين بالتيار العلوي، الذي هو جناح من الشيعة. وقد 'استبدل' هذا الاسم بالعلويين، لانه يذكر جدا بالقرب من المسيحيين ويميزهم عن الاسلام. أما الان فيستخدم تعبير 'النصارى' على لسان السُنة في سوريا لتأكيد 'كفر' العلويين المسيطرين في الدولة. فياض هو سُني، ومن هنا الادعاء الاساس ضده، إذ كيف يمكن لسُني أن يؤيد النظام.
هذا الخطاب لا ينتهي بالشتائم والسباب في مواقع الانترنت او في البرامج التلفزيونية. بل يتسلل الى الشارع ويقتل الناس. الخوف من سيطرة المنظمات الدينية، الصور الكثيرة لمقاتلي الجيش السوري الحر الملتحين، الاسماء الاسلامية القديمة التي تبنتها كتائم الجيش الحر، والشعارات الدينية التي ترافق بثهم، دفعت عشرات الاف المسيحيين منذ الان الى الفرار من سوريا.
المسيحيون، الاقلية التي يبلغ عددها نحو مليون مواطن في سوريا، هم 'عنصر مشبوه' مزدوج: الجيش السوري الحر يرى فيهم مؤيدون للنظام العلماني للاسد الذي حماهم على مدى السنين، فيما أن النظام يرى فيهم الان جزءً من 'العالم الغربي المسيحي'، الذي يتطلع الى اسقاطه.
ولكن ليس فقط بين الطوائف الدينية القومية تجري صراعات القوى الفتاكة. المعارضة السياسية هي أيضا لا تعرف بالضبط الى أين تتجه وجهتها ومع من. هكذا مثلا صرح الاسبوع الماضي عبدالباسط سيدا، رئيس المجلس الوطني السوري ـ هيئة المعارضة الاكبر ـ بانه 'لن يكون لمناف طلاس ورياض حجاب مكان في الحكومة السورية المؤقتة لانهما لم ينضما الى الثورة من بدايتها'.
طلاس، ابن وزير الدفاع الاسبف مصطفى طلاس، الذي فر الشهر الماضي من الجيش، أصبح شهيرا. وهو يتجول بين دول العالم وينتظر الوظيفة السامية في النظام الجديد. اما حجاب فكان رئيس الوزراء الذي فر الى الاردن.
عندما تكثر الان المداولات عن امكانية إقامة حكومة مؤقتة في سوريا، يبدو انه حتى قبل سقوط الاسد يتعين على الوسطاء ان يجدوا قاسما مشتركا بين الاطراف المتخاصمة داخل المعارضة، بين التيارات المختلفة داخل سوريا. اسقاط الاسد قد يبدو مهمة بسيطة بالنسبة الى الصراع السياسي الذي سيجري بين معارضيه.
الكاتب /تسفي برئيل
المصدر: هآرتس 30/8/2012

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق