الثلاثاء، يوليو 15

" الموقف المأمول من القضاء السعودي .. حيال جرائم حوادث المرور تحت تأثير المسكر "

"دراسة"

" الموقف المأمول من القضاء السعودي ..
حيال جرائم حوادث المرور تحت تأثير المسكر "



الاستاذ/ طلال خيرالله*


المدخل :

             مما لاشك فيه ان اللائحة الجديدة للجرائم التي أصدرها أخيراً وزير الداخلية الأمير : محمد بن نايف بن عبد العزيز ـ  يحفظه الله ـ والتي دخلت حيز التنفيذ يوم السبت الموافق : ١٤٣٥ /٧ / ٢٤ هـ .. تصنّف قطع الإشارة الحمراء جريمة كبيره .. في حال من قطعها يتسبب في وفاة شخص آخر..تعتبر خطوة اكثر من ايجابية..خصوصا ان اللائحة تضمنت إيقاف قائد السيارة تحت تأثير المسكر والتسبب في حادث مروري .. وأدى إلى وفاة شخص أو تعطل عضو أو جزء منه أو مدة الشفاء تزيد على 15 يوماً ـ وأيضاً ـ عكس السير .. والتسبب في حادث مروري أدى إلى وفاة شخص أو تعطل عضو أو جزء منه أو مدة الشفاء تزيد على 15 يوماً .. وايضا ايقاف ( المفحط ) المتسبب بحادث مروري .. وأدى إلى وفاة شخص أو تعطل عضو أو مدة الشفاء تزيد على 15 يوماً هي موجبة للتوقيف .

 

هذه الخطوة والموقف الايجابي من قبل وزارة الداخلية في غاية الاهمية .. ودليل على حرص واهتمام الوزارة والقائمين عليها وعلى رأسهم سمو الوزير .. بسلامة وأمن المواطنين .. فقد

 

ازدادت الحوادث المروية في المملكة خلال عشر سنوات ـ فقط ـ بنسبة ( أربعمائة با لمائه ) .. وخلال ثلاث وعشرين سنة بلغ عدد المصابين في حوادث المرور بالمملكة أكثرَ من نصف مليون مصاب .. توفي منهم ( ستون ألفَ ) إنسان .

 

وتتحدث الإحصائيات عن أكثرَ من ( أربعةُ آلاف ومائتي حالة وفاة سنوياً بالمملكة ) .. و ( ألف ومائتي إعاقةٍ دائمة ) .. و ( ثمانية آلاف إعاقةٍ مؤقتةٍ سنوياً ) .

إنها أرقام مخيفة .. يقف وراءها ظواهر سيئة .. كالسرعة وقطع الإشارة .. وقيادة السيارة تحت تأثير المسكر والتفحيط وغيرها .

 

ظاهرة تصنيع وترويج وتعاطي الخمور

 

           رغم أن هناك من لا يزال ينكر في المجتمع السعودي .. وجود ظاهرة تصنيع وترويج وتعاطي الخمور واستهلاكها المفرط .. توضح الأرقام والإحصاءات الرسمية التي تنشرها الجهات الأمنية .. تزايد الإقبال على تعاطي الخمور في المجتمع .. خاصة في مدن الرياض .. وجدة .. وأبها .. كما تكشف إحصائية هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وقت سابق أنها قبضت خلال شهرين فقط على 50 مصنعاً للخمور جنوب الرياض وحدها .. ووجد في هذه الخمور مواد سامة .. وحشرات .. وجرذان ميتة .. ومواد من مياه المجاري .

 

كما تواصل الصحف المحلية نشر أخبار ضبط متعاطي الخمور .. رجالاً ونساءً .. في العديد من المدن والأماكن والاستراحات .. ووجود مصانع الإنتاج في المستنقعات والمجاري ووسط الأشجار .. ووجود حالات تسمم ووفاة سعوديين نتيجة شرب " العرق " المصنع محلياً .. وضبط حالات تصنيع وترويج الخمور وسط الأحياء السكنية ببعض المدن والقرى .

 

كما تشير بعض الجهات المتخصصة إلى أن هذه الظاهرة ليست هامشية .. بل آخذة في الانتشار رغم جهود الجهات الأمنية المكثفة لمواجهتها .

 

حول ظاهرة انتشار الخمور في المجتمع السعودي في تحقيق اجرته صحيفة ( سبق ) الالكترونية يقول هاتفياً أحد المواطنين واصفاً نفسه بأنه من أعرق شاربي " العرق " :

 

 

"الخمر و" العرق " موجودان بكثرة .. وبالإمكان الحصول عليهما بسهولة من خلال بعض العلاقات الخاصة .. والعمالة التي توفر مشروب " العرق " المحلي .. وتصنعه وتبيعه بأسعار رخيصة بين 150 إلى 300 ريال للقارورة الواحدة .. وهي سعة لتر " مياه معدنية " .. حسب جودة الصنع " .

 

ويشير تحقيق الصحيفة في عناوينه الى الاتي :

 

- المصادر الرسمية تشير إلى أن المحاكم ومراكز الشرطة والهيئات تعج بآلاف القضايا المتعلقة بتهريب وصناعة وترويج وتعاطي الخمور.

- هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبضت خلال شهرين فقط على 50 مصنعاً للخمور جنوب الرياض وحدها.

- "العرق" منتشر بين الطبقات الفقيرة والمتوسطة والغنية والزبائن سعوديون وعمالة وافدة.

- بعض النساء المتعاطيات ترسل السائق ليشتريه لها.

- البيع يتم في بعض الأحياء البعيدة وبعض محطات الوقود والمطاعم المتناثرة على طرق السفر .

- الاستهلاك عالٍ والبعض يبيع 15 قارورة يومياً و 48 قارورة في الإجازات ومدن "الرياض" و" جدة " و" أبها " الأعلى استهلاكاً .

- مختبر سعودي: العرق المحلي تركيز الكحول فيه أعلى من 70% وهو عالي الخطورة صحياً ويسبب العمى وتليف الكبد .

 

مجلس الشورى والقيادة تحت تأثير المسكر

 

في الوقت نفسه نجذ أن هناك ضمن مؤسسات الدولة ممن سبق لها أن تناولت هذا الأمر مثل مجلس الشورى .. فقد سبق له ان تناولت هذا الامر .. ففي إحدى جلساته .. أوضح عضو مجلس الشورى : سعود الشمري عضو اللجنة الأمنية بالمجلس .. أن العقوبات المرصودة

 

 

لاستخدام المسكرات والخمور دون قيادة السيارة بحد ذاتها .. تعد رادعة وبالذات تعاطي المخدرات .. مشيرا إلى أنه أكد على وجوب أن تكون هناك مخالفة مرورية تصل إلى سحب الرخصة .. أو السجن بخلاف ( العقوبة الجنائية المستقلة عنها ) بحق من يقود مركبته تحت تأثير المخدرات أو المسكر .. مبينا أن مثل هذه الحوادث مؤلمة ومؤثرة .. وتخلف نتائج وخيمة .. يجب سحب رخصة من يقود تحت تأثير المسكر وسجنه .

 

ولفت الشمري إلى أنه بالمقارنة بدول الخليج فإن عقوبة المخدرات في السعودية تعد أكبر .. أما عقوبة القيادة تحت تأثير المسكر .. فهي تتكرر في دول الخليج بنسب عالية أكثر من السعودية .. بسبب أنظمتها المحلية وما تختص به من الإنفتاح السياحي والتجاري .. التي تحتم عليها التشدد في العقوبة لردعها .

 

( المصدر : واس ) 

 

( مؤسسات الامن الحكومية - والمؤسسات التشريعية والقضائية )  

مما سبق يتضح لنا الاسباب الحقيقية .. وراء ماجاء في اللائحة الجديدة لوزارة الداخلية .. والتي تناولت مسألة الحوادث والقيادة تحت تأثير المسكر والتفحيط وهذا الاستنفار من قبل وزارة الداخلية .. هو نتيجة جهود حثيثة استندت في نتائجها على الاحصائيات والأرقام وتؤكد الدراسات على ضرورة تكامل عمل جميع المؤسسات وعلى اهمية التنسيق بين جهودها ....

الاضرار المترتبة على القيادة تحت تأثير المسكر وخلافها :  

فمما لاشك فية ان قيادة السيارة بسرعة وقطع الاشارة الحمراء او تحت تأثير المسكر والتفحيط .. جميعها لها أضرار كثيرة أشدها ما يلي :

 

- قتل النفوس المعصومة .. سواء من الركاب أو المتجمهرين أو من يسير في الشارع .. فهم عرضة لهذا الخطر العظيم .

 

 

- الجناية على ما دون النفس بالقطع أو الجرح أو الكسر .

- ترويع الآمنين في البيوت والطرقات .

- الخسائر المادية في الأموال والممتلكات العامة والخاصة .

- قيادة السيارة تحت تأثير المسكر والتفحيط عمل محرم شرعاً .. لأن فيه إيذاءاً وإزعاجاً للناس .. وفيه تعريضاً للنفوس بالقتل .

- بالنسبة لاعتبار المفحط .. أو القيادة تحت تأثير المسكر منتحراً .. فإنه يكون بالنظر إلى خطورة العملية التي ينفذها كلاهما .. فإن كان غالبها الهلاك فهذه قد يكون منتحراً .. وإن كان غالبها السلامة فهذه قد لا يكون منتحراً ــ والله أجل وأعلم ــ .

 

- يكون جناية المفحط والقيادة تحت تأثير المسكر عمداً إذا قصد الجناية على أحد وقصد القتل .. ويمكن محاسبتهم على أساس القصد غير المباشر للجناية .. وانزاله منزلة القصد المباشر واعتباره متعديا .. حرمة لدماء المسلمين وصونا لها .. لأنهما فعل ما لا يجوز له فعله أصلاً .. ونتج عن فعله القتل .. فينبغي محاسبته على هذا الأساس .
 

- القتل بالسيارة من قبيل القتل بالمثقل الذي اختلف فيه العلماء .. وقد توصلت في هذا البحث إلى أن هذا هو القول الأظهر ـ والله أجل وأعلم  ـ .
 

- من آثار جناية المفحط .. او من يقود تحت تأثير المسكر على النفس عمداً القصاص .. أو الدية المغلظة .. إذا سقط القصاص بالعفو ونحوه .. ونرى أن عقاب من تسبب في قتل نفس بسبب التفحيط أو القيادة تحت تأثير المسكر هو القصاص أو الدية المغلظة إذا ثبت عليه ذلك .
 

ومعيار القتل شبه العمد هو : إتيان الفعل القاتل بقصد العدوان على المجني عليه .. دون إرادة نية القتل .. ولكن هذا الفعل يؤدي إلى القتل .. ويمكن تنزيل جناية المفحط والقيادة تحت تأثير المسكر .. إذا كانت شبه عمد على أساس هذا المعيار الذكور .. ولكن ينبغي مراعاة القصد الاحتمالي للجناية .

 

 

 

- تكون جناية المفحط والقيادة تحت تأثير المسكر على ما دون النفس عمداً .. إذا تحقق موجبها وهو العمد المحض .

 

- في جناية المفحط والقيادة تحت تأثير المسكر على الأموال كلاهما في جنايته على الأموال والممتلكات متعدياً عليها .. سواء أكانت جريمته عمد أو خطأ بقصدٍ أو بغير قصد .. لأنه فعل فعلاً ليس له أن يفعله .. ونشأ عن فعله ضرر على مالٍ محترم ٍ .
- يلزم المفحط والقيادة تحت تأثير المسكر ضمان ما أتلف من أموال وممتلكات .. لأنه هو المباشر للجناية .
 

- تعزير المفحط والقيادة تحت تأثير المسكر يلزم فيه النظر إلى التكرار وخطورة وشهرته والظروف الزمانيه والمكانية المحيطة بفعله .. ومراعاة ذلك حتى يكون الحكم عليه ملائماً لفعله .
 

- يراد به التعزير بالمال : نزع ملكية المال من صاحبه .. تأديباً له وزجراً عن ارتكاب المحظورات .. التي نهى عنها الشارع .. وهذا القول الأظهر من أقوال أهل العلم ــ والله أجل وأعلم ــ .
 

- يجوز تعزير المفحط بمصادرة سيارته .. إذا لم يرتدع إلا بذلك وتكررت سوابقه .. ولم تجدي معه العقوبات الأخف منها .. وذلك بناء على ما ظهر لي ــ والله أجل وأعلم ــ .. من جواز التعزير بالمصادرة على الأظهر من أقوال العلماء .
 

- العقوبات البدنية التي يعزر بها المفحط والقيادة تحت تأثير المسكر هي : الجلد والحبس .. وأما القتل فلا يعزر به إلا في حالة واحدة .. وهي إذا أسفرت جريمته عن قتل نفس لم يترتب عليها القصاص عمداً .. فيعزر بقتله إذا رأى القاضي ذلك .
 

- يجوز الجمع بين عقوبتين تعزيريتين للمفحط والقيادة تحت تأثير المسكر .. استدلالاً بحديث عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وآله
 

 

 

- وسلم عن الثمر المعلق فقال : ( من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه , ومن خرج بشيء فعليه غرامة مثليه والعقوبة ، ومن سرق منه شيئاً بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع ) .. والشاهد في قوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( غرامة مثليه والعقوبة ) فجمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم .. بين عقوبتين تعزيريتين .. وكذلك فالتفحيط والقيادة تحت تأثير المسكر ينطوي تحته عدة جرائم غالباً .. وليست جريمة واحدة .. وكل واحدة بذاتها كافية في تعزيره ــ والله أجل وأعلم ــ .
 

دور القضـــــاء :

أن الدور الوقائي الذي تقوم به العديد من القطاعات ذات الاهتمام بمجال محاربة حوادث السير من خلال مختلف الأنشطة والمبادرات التحسيسية .. لا ينفي دور القضاء المتميز والريادي في التصدي لتنامي ظاهرة حوادث السير .

 

وأن الشريعة الإسلامية من عمق مقاصدها تؤكد على ضرورة حفظ النفس والمال.. وللتشريع القضائي دور كبير وحاسم في تحقيق السلامة الطرقية .. من خلال ضرورة التعامل مع المتسببين للحوادث نتيجة الرعونة والتهور.. بنوع من الحزم والصرامة القانونية .. ومناقشة أهم السبل والأحكام القضائية الزجرية التي يمكن التعامل بها مع المتسببين لحوادث السير .

 

فالقضاء العادل الرادع والحاسم الذي يهدف لتحقيق حماية وامن المجتمع وضمان سلامته من أي صوره من صور التهديد .. يضمن حقوق الجميع ويفصل في الاحكام بسرعة .. وحسم لقطع المفاسد وردع المعتدين ولجم المخالفين حتى يكونوا عبره لغيرهم ( الزجر ) ومن المعروف أن العقوبة انما قررت لكف المجرمين والمفسدين .. وكف غيرهم من الاقتداء بهم .. ومن صفات العقوبة انها تحدث ايلاما ماديا ونفسيا .. فينبغي اختيارها بدرجة تجعلها مناسبة مع الجريمة نوعا ومقدارا .. كما ينبغي ان تكون متصفة بصفتي اليقين في التطبيق والسرعة في التنفيذ .. كما ينبغي ان تكون محققة لمبدأ المساواة لتكون ذات اثر فعال في محاربة الاجرام وتحقيق الامن الشامل للمجتمع .

 
وقفة لابد منها في الدراسة :

تقف الدراسة عند لائحة الجزاءات والمخالفات المرورية والتي تنقسم إلى أربعة اقسام من المخالفات تأتي القيادة تحت تأثير المسكر من ضمن الفئة الأولى والعقوبات المقررة لهذه المخالفات (غرامة مالية لا تقل عن خمسمائة ريال ولا تزيد على تسعمائة ريال ، أو بحجز المركبة مع الغرامة).

حيث ترى الدراسة ان هذه العقوبة ان لم تشجع على القيادة تحت تأثير المسكر فإنها لاتردع او تحقق الردع والزجر لاولئك النوع من السائقين فالامن دوره يبدأ قبل وقوع الجريمة فإذا وجد قانون رادع يعاقب من يقود سيارته وهو في حالة سكر فسوف يضطر للبقاء في مكان سكره حتى يفيق ولكن عدم وجود عقوبة لاتقل عن السجن لمدة ثلاث اشهر كما في اغلب دول العالم الغير مسلمة فكيف بنا في بلد اسلامي يحرم الخمر اولا ويعاقب عليها وتحفظ قيمة ومبادئة الانفس المعصومة فكيف بنا في بلد مسلم ينهي قرآنه العظيم بإجتناب شربه أي مسكر..ويطبق حد شارب المسكر إن قبض عليه متلبسا بجرمه ) .
 

الخــــاتمة :

أن مواجهة ظاهرة التفحيط والقيادة تحت تأثير المسكر .. يقتضي تضافر جهود كافة مكونات المجتمع من قطاعات حكومية معنية .. ومؤسسات تعليمية وأسرة ومجتمع مدني .. إضافة إلى إبراز الدور الذي يجب أن تضطلع به وسائل الإعلام في هذا المجال لما له من دور أساسي وهادف في تسليط الضوء على اضرارها على الانفس المعصومة والممتلكات .

والقضاء يضطلع بدور متميز وريادي .. في التصدي لتنامي ظاهر التفحيط والقيادة تحت تأثير المسكر من خلال التنزيل لعقوبات سليمة .. سواء تعلق الأمر بالجانب الوقائي أو الزجري

 

وهنا يلعب القضاء دورا رئيسيا في الحد من حوادث السير و خطورتها .. خصوصا فيما يتعلق بالقيادة تحت تأثير المسكر والتفحيط من خلال أحكامه لتحقيق الردع العام لأفراد المجتمع و الردع الخاص لمرتكب هذا النوع من المخالفات ومحاولة منعه من تكرارها مرة أخرى .

 

و الحقيقة ان عدم نجاعة القانون بالحد من هذا النوع من حوادث السير و خطورتها يعود لأسباب مختلفة .. ترتبط بالضرورة بعدم تشدد المشرع في معاقبة و مساءلة المتسببين بحوادث القيادة تحت تاثير المسكر والتفحيط إنما تعود لأسباب متعددة وأهم هذه الأسباب هي :

1. تفاهة العقوبات الجزائية المفروضة على متسببي الحوادث في النظام العقابي .. خصوصا ان النظام أعطى الحق للمحكمة في معظم هذه الجرائم .. في الاختيار بين عقوبة الحبس و الغرامة .. وعقوبة الحبس أو الغرامة تقوم المحكمة عادة بالحكم بالحد الادنى للعقوبة او بالغرامة فقط .. والتي تترافق عادة بإسقاط المجني عليه للحق الشخصي .

 

2. ضعف الثقافة النظامية و القانونية لدى أفراد المجتمع .. وعدم الشعور بإلزامية القواعد النظامية المتعلقة بتنظيم السير وعدم احترامها .. وضعف الإحساس بسمو هذه القواعد و ارتقائها لمصاف القواعد الأدبية أو الدينية .. وهذا ما يلقي على رجال الإعلام والتعليم ورجال الدين واجب تعريف أفراد المجتمع بضرورة احترام القواعد النظامية ودورها في نمو و استقرار المجتمع .

 

 

 

3. تنازل المجني عليه أو ورثته عن الحق الشخصي أمام المحاكم الجزئية .

4. تنازل المجني عليه أو ورثته عن الحق في الدية .

5. تنازل المجني عليه أو ورثته عن الحق في مطالبة المتسبب بالحادث .. ومالك المركبة عن التعويض عن الأضرار اللاحقة بالمجني عليه .. أو الورثة وحصر المطالبة بشركة التامين و بحدود مسؤوليتها .

6. ارتكان بعض أفراد المجتمع على عقد التامين الإلزامي والشامل مما يدفعهم إلى قلة الاحتراز والتهور وممارسة التفحيط .. او القيادة تحت تأثير المسكر في قيادة المركبات بسبب تحمل شركات التامين للمسؤولية عن أفعالهم .. لكن في الحقيقة ان إعفاء شركة التامين من المسؤولية أو تخفيض حدودها .. وإلزام المتسبب بالحادث ومالك المركبة بالتعويض .. لا يلحق الضرر بالمتسبب أو المالك فقط .. إنما يلحق الضرر بالمجني عليه أو ورثته بسبب حرمانهم و تفويت مصلحتهم بمطالبة شركة التامين بالتعويض .. والتي تتمتع بالقوة المادية الاقتصادية وحصر المطالبة بالتعويض بالمتسبب بالضرر والمالك والذين مهما كانت ملاءتهم .. يبقيان ضعفاء ماديا .. وكان الأجدى في المشرع ان يلزم شركة التامين بكامل مبلغ التعويض .. ومن ثم السماح لها بالرجوع على المتسبب والمالك بالمبالغ التي أدتها للمحكوم له .. والتي تزيد عن حدود مسؤوليتها .

 

7. تهاون المجتمع مع متسببي هذا النوع من الحوادث تحت مسمى القضاء والقدر وعدم عمدية الجرائم الناتجة عن حوادث السير .. وهو ما يخالفه المرحوم الدكتور : نائل عبد الرحمن صالح برأيه .. والذي يعتبر ان مرتكب هذه الجرائم أراد الفعل و لم يرد النتيجة .. أي ان قاطع الإشارة الضوئية الحمراء أراد قطع الإشارة متعمدا ارتكاب المخالفة .. ولكنه لم يرد دهس احد المارة أو الاصطدام بمركبة أخرى .. مما سبب وفاة احد ركابها .. مع علمه التام و المسبق بان فعله بقطع الإشارة الضوئية الحمراء .. قد يؤدي إلى التسبب بحادث سير و يعرض حياته وحياة الآخرين وأموالهم للخطر .. وان مرتكب مخالفة القيادة بسرعة تزيد عن الحد المقرر والمسموح به أراد ارتكاب المخالفة .. ولكنه لم يرد قتل احد المارة عند قطعه للطريق .. مع علمه التام والمسبق بان سرعته الزائدة لا تمكنه من تفادي أي جسم يظهر أمام المركبة أو التوقف بالوقت المناسب .

ويمكن تلخيص أهم هذه الأسباب بالقول : ان ما يحجم دور النظام والقضاء في الحد من حوادث السير وخطورتها .. هو تساهل المجتمع مع مرتكبي المخالفات المرورية .. و عدم رسوخ مبدأ إلزامية القاعدة النظامية في وجدان المجتمع .. وضعف الشعور بإثم مرتكبها خصوصا إذا افلت من العقاب .

 

و بإستعراض الاحكام القضائية والمسئوليات النظامية الناجمة عن حوادث بسبب القيادة تحت تأثير المسكر و التفحيط .. التي صدرت بحق الجناة والمخالفين في مواجهة المخالفين لأنظمة المرور .. ومدى ردع تلك الاحكام ومساهمتها في الحد من هذا النوع من حوادث السير و خطورتها وبالنظر لإحصائيات الأمن العام و الإدارة العامة للمرور .. والتي تشير إلى ازدياد مستمر في عدد الحوادث وضخامة نتائجها .. والمتمثلة بازدياد عدد الوفيات والمصابين و ازدياد حجم الأضرار المادية اللاحقة بالأموال .

ونظرا لان القضاء فرض عقوبة الحبس قصير المدة في المخالفات .. والجلد وعقوبة الغرامة لمرتكبي المخالفات المرورية .. والمنع من قيادة المركبة لفترات معينة لمكرري هذه المخالفات .. اكتفى بالضرر كنتيجة للفعل المسبب للحادث .. لوجوب الضمان و التعويض .. و فرض الدية على الجاني وعاقلته للمجني عليه وورثته .

 

أقول بان القضاء كأصل عام .. من المفترض ان يميل إلى التشدد في معاقبة ومساءلة المتسببين بهذا النوع من الحوادث .. بالرغم من بعض الانتقادات التي توجه إلى بعض نصوص النظام .. و التي تحتاج إلى تعديل و إعادة نظر من قبل المشرع .

وإذا كان القضاء بجميع مستوياته .. يستأثر بذلك الكم الهائل من الاختصاصات .. فانه مع مرور الوقت ومراجعة احصائيات هذا النوع من الحوادث وهل هي ازدياد .. ام تدني مستوياتها .. يفرض علينا هذا الامر التفكير مليا تجاه تقييم مدى ردع العقوبات القضائية .. وسيطرتها في الحد من ظاهره التفحيط والقيادة تحت تأثير المسكر .. ومعرفة ما اذا كانت قد اصابت الهدف المتوخى منها .. أم أن الأمر خلاف ذلك ؟!!

وحيث ان لهيئة الادعاء و التحقيق دور محوري واساسي في هذا النوع من الحوادث .. فأنه لابد من الاشارة الى عدد من المساءل ومنها  :

 

من  المفترض ان جميع حوادث السير الناتجة عنها وفاة .. يتم إحالتها إلى هيئة الادعاء والتحقيق قبل الإحالة على المحكمة .. قصد اجراء الابحاث اللازمة وجمع الادلة المتعلقة بها وفق ما تخوله له المسطرة الجنائية من اختصاص .. ومن اهمها : 

-  اعتقال المتهم و ايداعه السجن على ذمة التحقيق قابلة للتجديد .

-  اخضاع المتهمين لتدابير المراقبة القضائية .

-  منعهم من السياقه وسحب رخص سياقتهم .

- احالتهم للقضاء بعد استكمال كافة أوجه التحقيق والبحث والتحري والتدقيق بلائحة الإتهام المقدمة لمنصة القضاء .

وبالعودة للسؤال الاساسي وهو :

مامدى نجاعة الاختصاصات المذكورة في التخفيف من حوادث السير وتحقيق السلامة الطرقية ؟!! 

- جرت العادة ان يكون دور القضاء المحاكم على النحو التالي :

1- حبس المخالفين مخالفات جسيمة .. وعدم الافراج عنهم حتى صدور الحكم الشرعي  

2- تشديد العقوبات والأخذ بمبدأ الحد الاقصى في توقيع العقوبات  

3- عدم استخدام قواعد الرأفة أو وقف التنفيذ

4- سحب رخص قيادة الشخص المخالف بما لا يقل عن سنة

 

 

الا اننا ومن خلال هذا البحث نجد انه لابد من الاتي :

 

- لابد من احداث مؤسسات قضائية نوعيه .. مع توفير الامكانيات اللازمة لها قصد القيام بدورها على احسن وجه .. متخصصة في مجال حوادث السير لتقدم اضافة نوعية لعدة اسباب لا يسع المجال هنا لبسطها .

- اعداد دورات خاصة للقضاة فيما يخص المرور والحوادث المرورية .. والعناصر المشتركة والكاملة في التأثير على السائق وسلامته وسلامة الاخرين المشاركين معه في استخدام الطريق .

 

- العمل على تفعيل مجموعة من النصوص القانونية المتعلقة بهذا الشأن .. وتعميمها وضرورة الاخذ بها وتثقيف المجتمع بها .

 

-  الابتعاد عن غموض وعمومية النصوص النظامية المعمول بها في مجال هذا النوع من حوادث السير رغم حداثتها .. مما انعكس سلبا على العمل القضائي بالمحاكم .. وادى الى بروز اختلافات في التوجهات القضائية .. وهو ما أفضى إلى نوع من عدم الارتياح لدى المواطن .. ومنها على سبيل المثال لا الحصر : تلك المتعلقة بإثبات حالة السكر .. وهل السيارة اداة قتل من عدمها .. وضرورة الغاء بعض النصوص القديمة وكذا تقليص هامش السلطة التقديرية للقضاة في بعض الحالات .

 

- ربط بعض القرارات القضائية بتدخل جهات أخرى .. رغم ان مسؤولية القرار يتحمله القضاء لوحده ــ وكمثال على ذلك ــ اشير الى الشواهد الطبية التي لها تأثير مباشر على رخصة السياقه .

 

ومهما اختلفنا في تحديد المسؤوليات .. وتبرير كل جهة لأسباب قصورها .. فان ثبوت مساهمة العنصر البشري في حوادث السير بالدرجة الاولى .. يدفعنا الى الانتقال الى ضرورة البحث عن السبل الكفيلة لتأهيل العامل البشري .. دون الاكتفاء بمعالجة النتائج .. خاصة امام وجود تجارب لدول أخرى .. استطاعت تحقيق نتائج متقدمة في التخفيض من حوادث السير لديهم .. فإن توقفت قدرتك على أن لا تستطيع أن تبدع .. فلا يفوتك أن تقلد .. الأهم أن يتوقف هذا السيل الجارف من دماء معصومة وبريئة غالبا ..... وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى ,,,,, .

 

 

• (*) كاتب .. خبير ادارة قضايا .
• (*) باحث ومستشار .. دار العدالة
للمحاماة والاستشارات الشرعية و القانونيه .

للتواصل : ttt.kh.70@gmail.com

 

 

2
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق