الجمعة، أغسطس 31

الشرع موال لمن؟! (صحف عبرية)

نبدأ بقصة مصداقتيها موضع شك. في الاسابيع الاولى من الثورة السورية اجتمعت قيادة الحكم في بحث خاص، بين اعضائها الكبار كان الرئيس بشار الاسد، الاخ ماهر، الصهر آصف شوكت (قتل في تموز الماضي) ونائب الرئيس فاروق الشرع. الاخير طلب من الرئيس ايضاحات لماذا يطلق الجيش النار الحي على المواطنين في مدينة درعا، مدينة مولد الشرع؟ وسرعان ما نشب جدال مرير بين شوكت والشرع بشأن طبيعة مظاهرات مواطني درعا. فجأة امتشق ماهر، الذي وقف كل الوقت جانبا ينظر الى الرجلين، مسدسه واطلق النار على نائب الرئيس. في نهاية المطاف نجا الشرع باعجوبة على أيدي أطباء المستشفى في دمشق.
الانشغال في شخصية وأفعال فاروق الشرع بدأ، كما اسلفنا، من اللحظة التي اندلع فيها 'الربيع العربي' في سوريا. وفي الغالب وصلت التقارير عنه من منظمات المعارضة من سوريا وخارجها، ولكن ايضا ساهمت الصحف العربية بدورها (ولا سيما صحف دول الخليج، التي تبدي معارضة قاطعة لنظام الاسد). وقد عنيت هذه على نحو خاص بمسألة كيف أن ابن مدينة درعا يمكنه أن يقف جانبا ويسكت، في الوقت الذي يذبح فيه ابناء مدينته بوحشية على أيدي جنود الاسد. صحيح أنه يوجد هنا الكثير من الحرب النفسية، تجاه النظام وتجاه الشرع نفسه على حد سواء، الا ان السؤال اذا كان الامر يعطي ثمرا يبقى في هذه الاثناء في الهواء.
سؤال مبدئي اكثر، وذلك في ضوء وضع الاسد الشخصي، العائلي والسلطوي، هو لماذا يحتل الشرع في الاسابيع الاخيرة العناوين الرئيسية المرة تلو الاخرى؟ كما هو معروف، إحدى مزايا الصراع الجاري في سوريا هي أنه يدور بين المحيط والمركز. بين المدن الضعيفة، ولا سيما تلك في الصحارى السورية، وبين مدن المركز الكبرى والقوية اقتصاديا. في الستينيات من القرن الماضي حرص نظام البعث بالذات على تطوير المحيط وتعزيزه، المسيرة التي تمسك بها ايضا الاسد الاب على مدى 30 سنة من ولايته. من هنا فان الكثير من أبناء المدن والقرى الضعيفة مثل درعا، الرستن وبانياس، خرجت القيادة السورية القديمة (وبالمناسبة، الجديدة ايضا). مصطفى طلاس، وزير الدفاع الاسبق وأبو مناف، ولد في الرستن؛ عبدالحليم خدام، نائب الرئيس السابق لحافظ وبشار، هو من مواليد مدينة بانياس الساحلية؛ أما الشرع ابن الطائفة السُنية فولد في 1932 في درعا في سهل حوران، حيث بدأت الاضطرابات، ومن هناك، 'خرجت البشرى' مثلما خرجت الثورة ضد الانتداب الفرنسي في 1925.
وشق الشرع طريقه ببطء في السلم السلطوي، بعد أن انضم في شبابه الى حزب البعث. وقد رضع من الحزب مبادىء الثورة (وحدة، حرية واشتراكية)، التي قادت البعث في آثار 1963، ووجدت تعبيرها في مرات عديدة في المقابلات وفي الخطابات. وعمل الشرع في وزارة الخارجية السورية، بل وخدم كسفير سوريا في ايطاليا. في بداية 1980 عين نائبا لوزير الخارجية، وبعد أربع سنوات من ذلك أصبح وزير خارجية حافظ الاسد، المنصب الذي احتفظ به حتى 2006.
وبالتالي، يقف أمامنا رجل لا يتماثل فقط بكله وكليله مع الفكرة الوطنية السورية، في الايام التي يتحدث فيها الكثيرون عن تفكك سوريا بل وعلى نحو خاص مع النظام الاسدي. شخصية رافقت الاسد الاب على مدى كل سنوات حكمه وكان احد اصدقائه وأكثر المقربين اليه. لهذا السبب، فان كل شائعة، كل حدث خيالي أو واقعي يرتبط باسم الشرع، يحتل عنوانا رئيسا على الفور. ينبغي الايضاح بأنه بينما يعتبر فرار رئيس الوزراء رياض حجاب كحدث تأسيسي فانه لن يتساوى على الاطلاق مع فرار نائب الرئيس الشرع. حجاب، خلافا للشرع، لم يكن مقربا من القيادة السلطوية ولم يكن متماثلا مع النظام. صحيح، فراره هام للصراع ضد الاسد، ولكن هذا ليس في الفار بل بالرمز لتوليه رئاسة الوزراء وليس لشخصه. أما ترك الشرع، رمز الولاء لبيت الاسد، فسيضعضع شخصية النظام من الاساس وسيرمز الى انهياره التام. الحقيقة، وفقا لوتيرة الاحداث الاخيرة في سوريا وموجة الفرار التي تعصف بالقيادة العسكرية والسياسية، معقول جدا الافتراض بانه اذا اجتاز الشرع هو الاخر الحدود الى الاردن أو الى تركيا، وليس فقط بسبب الولاء لسوريا والشعب السوري.
الكاتب د/يهودا بلنغا
' محاضر في شؤون الشرق الاوسط في جامعة بار ايلان
المصدر: معاريف 30/8/2012



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق