الأربعاء، يوليو 25
الخيارات الايرانية في سوريه مابعد الاسد
بقلم/انس محمود الشيخ مظهر
من البديهي ان انتصار الثورة السورية سوف يقلب المعادلات كلها في المنطقة الممتدة من تركيا الى العراق والخليج وانتهاء بإيران فهل ستتمكن ايران من قلب المعادلة الجديدة لصالحها؟
الثورة السورية وان كانت لم تصل لأهدافها لحد الان الا ان النصر فيها بات امرا محسوما بكل المقاييس السياسية والعسكرية، ويجب ان ينحصر الحديث الان على سوريا ما بعد الثورة. فسوريا ما بعد بشار الاسد لا تقل خطورة عن سوريا بشار الاسد كون الباب فيها سيكون مفتوحا على كل الاحتمالات، ليس بسبب من سيتصدر المشهد السياسي هناك فالشعب السوري احرص منا على مصير ومستقبل بلده ومن يقوده، ولكن ما نخشاه هي القوى المتربصة بها من خارج الاراضي السورية. فبزوال بشار الاسد تفقد ايران حليفا مهما لتطابق رؤاهما السياسية حول مجمل قضايا المنطقة لعقود طويلة وكانت سوريا تمثل الحلقة التي كانت توصل ايران بالجانب الاخر من بلاد الشام والمتمثل يلبنان وحزب الله على وجه الخصوص.
المواقف السياسية في ايران تؤخذ من منطلقين مركبين مع بعض وهما المنطلق الطائفي الشيعي ممزوجا بالمنطلق القومي الفارسي واحلام الامبراطورية الفارسية القديمة والتي لا تغيب عن الذاكرة الفارسية وتعمل جاهدة على ارجاعها، وكان اقامة الحكم الشيعي في العراق ووجود بشار الاسد في سوريا وحزب الله في لبنان ومحاولات ايران ضم حركة حماس تحت جناحها في وقت من الاوقات رجوعا نسبيا لذكريات الامبراطورية الفارسية القديمة اليها. لذلك فزوال النظام السوري يمثل تراجعا حقيقيا لهذه الاحلام التي لن تتخلى عنها ايران بسهولة وستظل متشبثة بها بشتى الوسائل ، وما التصريحات الايرانية الحالية التي تحاول فيها التقليل من اهمية بقاء بشار الاسد في السلطة الا دليل على ان ايران تخطط ومنذ الان لمرحلة ما بعد الاسد بعد ان تيقنت انه زائل لا محالة.
ولكي تبقي ايران نفوذا لها في سوريا فان عليها ان تتحرك باتجاه المجموعة الاقرب اليها مذهبيا وهي الطائفة العلوية باعتبار ان ايران لن تستطيع اتخاذ مكون سوري اخر حليفا ستراتيجيا لها عداها، وما سيسهل هذه المهمة على ايران هو استعداد ابناء هذه الطائفة من الناحية العسكرية للقيام بمهام مشابهة لما وكل به حزب الله في جنوب لبنان بسبب ان اكثرية التشكيلات العسكرية المهمة في سوريا الاسد كانت تتكون من ابناء هذه الطائفة وكونهم الاقرب مذهبيا الى المذهب السائد في ايران مما يساعد في ترشيح الطائفة العلوية لتكون حليفة الجمهورية الايرانية مستقبلا. ورب قائل يقول ان العلويين لن يورطوا انفسهم في هكذا دور. ولكن باستحضار التجربة العراقية الى الاذهان بعد الالفين وثلاثةام 2003 ودراسة الدور الايراني في اثارة النعرات الطائفية والقومية بين ابناء العراق فسنعرف ان دفع العلويين بهذا الاتجاه لن يكون امرا صعبا على ايران، فقد كانت سوريا الاسد في بداية الاحتلال الاميركي للعراق (وبتنسيق مع ايران) ترسل افواجا من الارهابيين الى المناطق السنية والشيعية في العراق بحجة قتال الاميركان وتسببت في احداث خلخلة امنية فيه واثارة النعرات الطائفية بين ابناء الشعب العراقي وقد كان لهم ذلك فقد عاش العراق سنين عديدة يعانون من القتل الطائفي بدون ان يكون الفاعل مشخصا، وكانت اغلب التفجيرات تستهدف المناطق السنية لإبقائها غير مستقرة امنيا وسياسيا واداريا الى ان سيطرت الاحزاب الشيعية على الوضع السياسي في العراق بشكل كامل خصوصا بعد الانسحاب الاميركي. والان وبعد زوال بشار الاسد يمكن خلق موجة معاكسة من الارهاب للداخل السوري لاستهداف المناطق العلوية واتهام السنة في سوريا بها ودفع العلويين للارتماء بشكل كامل للحضن الايراني (لحمايتهم) ، وبذلك يسقط العلويين في الشرك الايراني ليكونوا موطئ قدم لها داخل الدولة السورية كما هو حال حزب الله في لبنان.
السيناريو الثاني لإيران والذي من الممكن ان تلجا اليه (في حالة مشروطة) هو التحالف مع حزب العمال الكردستاني في سوريا. وعلى الرغم من ان التطورات الاخيرة على الساحة الكردية السورية تشير الى ان الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني قد دخل في تحالف مع القوى الكردية الاخرى في سوريا الا ان هذا التحالف سيكون مرهونا بالخطوات التركية حيال هذا الحزب والوضع الكردي وكذلك التوجهات التركية حيال افرازات الثورة السورية بشكل عام. فحزب العمال الكردستاني يتقن تماما استغلال التناقضات في المنطقة وسوف يتخذ من الموقف الايراني الجديد ازاء سوريا ورقة ضغط على تركيا لتسيير دفة التطورات بالشكل المناسب لها. ومن هذا المنطلق فان ايران سوف ترحب باي تقارب مع هذا الحزب مستقبلا والابتعاد عن المحور التركي للوقوف في الجانب المضاد للثورة السورية بما يتلاءم وتوجهات الطرفين.
اذا فشلت ايران في استمالة الطرفين السالفي الذكر وفي حالة تأكدها بان مصالحها قد اصبحت مهددة فلن يبقى امامها الا تهديد الوضع السوري بواسطة المالكي وبعض الاحزاب الشيعية الاخرى المتعاطفة معها في العراق وهذا التهديد قد يكون بتعكير الوضع الامني في داخل سوريا كما قلنا سابقا او الدخول في مناوشات عسكرية على نطاق ضيق مع القوى الجديدة في سوريا (حسب مبدا الهجوم خير وسيلة للدفاع) وبذلك فستقلل من خطر نتائج الثورة السورية على نفسها وخلط الاوراق فيها وفي نفس الوقت سوف ينوب عنها العراق في التصادم مع الحكومة الجديدة في سوريا من دون ان تتدخل هي بنفسها في معمعة المشاكل هذه ، وكما هو متوقع من الساسة العراقيين في المنطقة الخضراء فانهم لن يرفضوا القيام بهذا الدور نيابة عن الجارة (الشقيقة) ايران، وموقف حكومة المالكي المسبق من الثورة السورية ووقوفه مع بشار الاسد الى هذه اللحظة يشير الى نوعية علاقة الجوار (المتشنجة) التي يخطط لها العراق مع سوريا مستقبلا.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق