بهذه الجملة أطر محمد الشريف رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد رؤية الهيئة لما يكتب عن نشاط وإنجازات الهيئة. اقتطع من وقته أكثر من عشر دقائق ليناقش معي في مكالمة هاتفية عناصر مقالي الذي نشر الأسبوع الماضي بعنوان ''هيئة مكافحة الفساد.. الأهم فالمهم''.
ناقش رئيس هيئة الفساد كل عناصر المقال وتحدث بأريحية عن جزئيات مهمة يرى أنها تعوق تحقيق تطلعات المواطن. تحدث عن العنصر البشري الذي ذكر أنه أكثر العناصر حساسية بحكم عدم تمكن الهيئة من توظيف الحد الأدنى المطلوب، كما أشار إلى نقطة مهمة وهي نوعية الموظف الذي تحتاج إليه الهيئة، وهذا دليل على حرص الهيئة على أن يعتمد التوظيف على المهارات والقدرات، لا على العناصر التي تعودناها في القطاع الحكومي.
تحدث محمد الشريف عن نقطة جوهرية تعانيها الهيئة في هذا المجال وهي رفض بعض المتقدمين أداء القسم، ورفض البعض توقيع إقرار الذمة المالية، وهما شرطان مهمان للتوظيف في الهيئة. أكدت له أنني ممن يؤمنون بأن هذين الشرطين يجب أن يطبقا عند التوظيف في جميع قطاعات الدولة وليس في الأجهزة الرقابية أو القضائية فقط.
تطرق الحديث لإشكاليات حجم وأنواع الفساد التي تتعامل معها الهيئة. الحديث عن تجذر بعض السلوكيات الفاسدة في المجتمع، لدرجة أنها أصبحت أقرب للإلزام. المجتمع في دولة تسود فيها أخلاقيات القبيلة والعائلة والانتماء المناطقي، يحاكم المسؤول الذي لا يقدم خدمات خاصة لبني عمومته أو منطقته. أصبح المسؤول يحظى بتقدير أكبر وهو في المنصب وبعد تركه بناء على كيفية تقديمه الخدمات من توظيف ومشاريع وخدمات خاصة للفئات التي تتوقعها منه، وهو من أهم مكونات الفساد الذي يفرق بين المواطنين على أسس مناطقية أو قبلية أو أسرية.
ناقشنا في نهاية المحادثة موضوع الانشغال بالمشاريع الصغيرة عن المشاريع الكبيرة، حيث أكد أن الهيئة تهتم بكل ما يصلها من تقارير ومعلومات من مختلف المصادر. هذا الاهتمام يجعلها تناقش كل شيء، وتعمل على حل كل مشكلة تعتقد أنها تقف في وجه النزاهة والحكم الرشيد. الجميل أنه أكد أن أي مظاهر للفساد مرفوضة من قبل القيادة بكل مكوناتها، ''فخادم الحرمين الشريفين وولي العهد يؤكدان لنا باستمرار على مكافحة كل مظاهر وآثار الفساد''.
تجاوب المسؤول وأريحيته في التعامل مع الصحافة يؤكدان أن المسؤول يثق بنفسه ومستعد لتحمل مسؤولياته. هذا التجاوب يعطي الصحافة مكانها الطبيعي كسلطة رابعة تعين المسؤول على الاتصال بالرأي العام، تنقل هموم الناس وتطلعاتهم بشفافية وصدق. تطبيق مفاهيم التعاون بين المسؤول والإعلام هو ما يحقق للقطاع العام فرصة النجاح وتجاوز العوائق البيروقراطية التي تحول بين وصول هذه المعاناة من خلال وسائل أخرى.
يرى القادة العظام بدءاً بالأنبياء والرسل أن الاختلاط بالناس هو ما يحقق الفهم ويضمن وصول العلم ويحفظ الناس من الفهم الخاطئ. المشي في الأسواق ومخالطة الناس والتعرف على الواقع هو أحد ضمانات النجاح. على مستوى القطاع الحكومي في المملكة، يذكر الجميع أن وزير العمل السابق الدكتور غازي القصيبي كان يعلق رسوم الكاريكاتير التي تنتقد الوزارة على جدران الوزارة، وهذا سلوك حميد يمكن أن يقوم به كل مسؤول، بل يمكن أن يقوم عن مقعده ولو لساعات كل أسبوع ليحصل على الخدمة التي يقدمها قطاعه كمواطن عادي. المسؤول يحتاج إلى أن يشعر العاملون معه أنه متواصل مع الناس حتى لا يقع ضحية حصار ''أصحاب المصالح''.
هذا ما تتبناه مفاهيم الإدارة الحديثة، وأحدثها مفهوم ''الإدارة المبنية على الأدلة''. هذا المفهوم يعتمد على الإنسان والبحث عما يحتاج إليه من خلال قراءة الحقائق على الأرض، وتقليل الاعتماد على التقارير واستبانات الرأي التي ينفذها أشخاص ومؤسسات لا علاقة لهم بالمنظومة.
أخيراً؛ أشكر لمعالي رئيس الهيئة سعة صدره، وحرصه على سماع الرأي المختلف، ورغبته الواضحة في إيجاد فرق وتطوير الحال. لقد أكد حديثه لدي قناعة أن المسؤول الناجح يبحث عن كل ما يسهم في كشف واقع القطاع الذي يرأسه، خصوصاً النقد الذي يراه تحدياً يؤدي للتطوير، على قاعدة ''رحم الله من أهدى إلي عيوبي''. ولا أخفي إعجابي برؤيته إلى الصحافة كشريك يسهم في تحقيق النجاح للهيئة. وأرجو له ولكل العاملين معه التوفيق والسداد.
المصدر:الاقتصادية

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق