اتهم أحد كتاب صحيفة (نيويورك تايمز) الولايات المتحدة، بتأسيس نظام حكم في العراق، يستند إلى المحاصصة الطائفية، بدلا من إرساء نظام حكم وطني وإسلامي معتدل، محملا إياهم مسؤولية أي انزلاق المكونات العراقية إلى حرب أهلية يمكن أن طاحنة.
من جانبه، وصف باحث في "مركز التقدم الأميركي، العراق، بعد 8 أعوام ونصف من التغيير، بأنه "يبدو عنيفا بشكل استثنائي، والوضع السياسي ما زال هشا"، لافتا إلى أن الائتلاف الحكومي الذي استغرق تشكيله 9 أشهر "مهدد بالانهيار في أي لحظة"، وأن "الطائفية هي معضلة البلاد الحقيقية بعد الانسحاب الأميركي".
وقال ريدر فيسر في مقاله في صحيفة "نيويورك تايمز"، نشرته وكالة "آكانيوز"، إن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، أشرف على بناء قوة عسكرية عراقية، لكنه في المقابل "يترأس حكومة ناقصة التمثيل بشكل صارخ، وإذ تتكون غالبيتها من إسلاميين شيعة مؤيدين لإيران، تمّ تهميش قائمة العراقية، كما لم يتم تمثيلها أثناء زيارة المالكي لواشنطن مؤخرا".
ووجه الكاتب المتخصص في شؤون العراق، والباحث في "المعهد النرويجي للشؤون الدولية"، اللوم للسياسة الأميركية، لأنه قامت "على طائفية معيبة، كان لها الثقل الأكبر في تكوين العراق الحالي، وتلك السياسة هي المسؤولة عن ترك الولايات المتحدة اليوم للعراق، وهو يعاني عدم الاستقرار".
وشرح الكاتب كيف أدى تبني الأميركيين لنظام الحصص الطائفية، إلى توسع التصنيف الفئوي في الساحة السياسية للعراق، إذ "بعد أن كان الأمر يقتصر على عرب وأكراد، أضافوا إليه البعد المذهبي، الأمر الذي دفع بقسم كبير من العراقيين المعتزين بعروبتهم، إلى أن يشعروا بأنهم غرباء داخل وطنهم"
. واتهم فيسر واشنطن بـ"العمى السياسي"، ولفت إلى أنه "بدلا من فهم الصراع الدائر بين أتباع الصدر الطائفيين والشيعة المعتدلين المؤمنين بهوية العراق المتنوعة، استمرت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما برمي كامل ثقلها وراء القضايا التي تتعلق بالمثلث العراقي الذي أوجدوه؛ أي الشيعي- السني - الكردي، وبهذا فقد صعّدت أميركا من التوتر الطائفي، بدلا من أن تساعد في تخفيف حدته".
واعتبر الباحث أن "المالكي الذي تبنى خطا شيعيا ليضمن فوزه بولاية ثانية، ظهر على حقيقته في انتخابات العام 2010"، لافتا إلى فشل الأميركيين في "انتشال رئيس الوزراء العراقي من نهجه الطائفي، ليشكل تحالفا ولو صغير الحجم مع قائمة العراقية العلمانية، الأمر الذي كان سيضمن للعراقيين العرب حكومة فعالة ومستقرة، ويترك الكرد ليتدبروا أمورهم بأنفسهم".
وذهب إلى أن "السبب الوحيد في عدم قدرة المالكي على منح حصانة للمدربين الأميركيين بعد انسحاب الجيش الأميركي، هو أن إرادته رهن للشيعة المؤيدين لإيران، والذين يعتمد على دعمهم للبقاء في الحكم، بينما السنة والعلمانيون مهمشون"، مضيفا أن "حكومة المالكي الحالية كبيرة جدا، ولكنها أضعف من أن تنفذ سياسات متماسكة، أو تبعد النفوذ الإيراني عنها".
وخلص الكاتب إلى أن "المسؤولين الأميركيين أضاعوا فرصا كانت متاحة أمامهم، ونظرا لسياساتهم المعيبة فإنهم يخلفون وراءهم عراقا يائسا ومفككا، يشبه ذاك الذي كان في العام 2006، وليس العراق المتفائل الذي كان عليه مطلع العام 2009". من جهة أخرى، أكد بيتر جول، الكاتب في "مركز التقدم الأميركي" للأبحاث، أن العلاقات الأميركية – العراقية تدخل حقبة جديدة، وهي إن بدت أنها وصلت إلى مرحلة التطبيع بعد زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى واشنطن، إلا أنها ما زالت على درجة عالية من التعقيد والأهمية، وتحديدا فيما يتعلق بسياسة أميركا الخارجية في الشرق الأوسط.
ونقلت الوكالة نفسها عن جول القول إن الولايات المتحدة تغادر العراق رسميا، إلا أن الواضح أنها لن تغادره فعليا في وقت قريب"، ماضيا إلى القول "من هنا، يبدو ضروريا رسم خريطة للعلاقات المستقبلية بين البلدين، تحدّد مسار هذه العلاقات، وإلى أين ينبغي أن تذهب في المستقبل المنظور".
ويذكر الكاتب أن "العراق، بعد 8 أعوام ونصف، يبدو عنيفا بشكل استثنائي، على الرغم من انخفاض معدّل الحوادث عن السنوات السابقة، كما أن الوضع السياسي ما زال هشا"، مذكرا بأن "سياسييه استغرقهم الأمر 9 أشهر لتشكيل ائتلاف مهدد بالانهيار في أي لحظة"، أما الطائفية فهي، حسب جول، معضلة البلاد الحقيقية بعد الانسحاب. ويرى أن دور العراق الاقليمي ليس واضحا بعد، إذ فيما "تطمح بغداد إلى لعب دور واسع في التطورات الإقليمية المحيطة، بحسب ما نقل مسؤول رفيع في إدارة اوباما، يبدو أن توجهها الاقليمي يثير مخاوف أميركا... فالهوة ما زالت شاسعة جدا بين الدبلوماسيتين العراقية والخليجية، كما ان بغداد صوتت في جامعة الدول العربية ضد فرض العقوبات على سوريا".
ولهذا، يضيف جول، تصرّ الولايات المتحدة على تعزيز التزامها في العراق بعد الانسحاب، بشكل يسمح لها بالعمل عن كثب، لإعادة دمج العراق في منظومة الدبلوماسية الإقليمية.
ويعتمد جول عن حديث لمسؤول أميركي جاء فيه أن "العراق حريص جدا على لعب دور في تطورات السياسة الخارجية في المنطقة، وانطلاقا من أن سوريا هي المكان الطبيعي للانطلاق، وعلى الولايات المتحدة أن تلتزم مع العراق بشكل أكثر عمقا في المسائل الإقليمية الحساسة، وأن تحثّه على تبديل موقفه من نظام الأسد، انطلاقا من دوره في المساعدة على إنهاء الصراع الدموي"، وفي المقابل "يمكن للولايات المتحدة ان تبذل مجهودا ملحوظا في تقريب وجهات نظر العراق مع دول الخليج".
وأقر الكاتب بأن "إدارة اوباما عملت في السابق جاهدة على هذا الملف، وادعت الفضل في إنجاح مبادرة دولة الإمارات العربية المتحدة، بإدماج العراق في المناورات العسكرية في المنطقة".
أما على النطاق الأوسع، يتابع الكاتب، فإن "الولايات المتحدة ما زالت بحاجة إلى تحديد المكان المناسب للعراق في السياسة الإقليمية، بما يتناسب مع مصالحها، ولاسيما أن الأخير مستعد وراغب في لعب دور فعال في المنطقة".
وفي هذا الإطار، يلفت الكاتب إلى ضرورة أن تلعب الولايات المتحدة على تحسين العلاقات على خط بغداد – الرياض، ولكنه يعلّق بأن "العراقيل كثيرة على هذا الخط، حيث لكل طرف مخاوفه من الآخر، فالسعودية ترى في المالكي رجل إيران المخلص، في حين أن الأخير يتهم المملكة بدعم خصومه على الساحة العراقية".
ويؤكد الكاتب أن نجاح أميركا في "وضع حدّ لاتهامات التخوين والتآمر التي يتبادلها الطرفان، يشكل إنجازا هائلا تضيفه الولايات المتحدة إلى سجلها، في تدعيم موقف العراق في المنطقة
صحيفة (نيويورك تايمز) الأميركية/ بقلم:ريدر فيسر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق